تكاد تُعادل الهوية التّجاريّة المشروع التّجاريّ بِأسره. الاستراتيجية، بحسب تعريف القاموس، هي "خطّة عمل أو سياسة مصمّمة لتحقيق هدف رئيسيّ". بالتّالي، استراتيجية الهوية التّجاريّة هي خطة عمل تصمّم لتحقّق الهدف الرّئيسيّ لمشروعك التّجاريّ. كل مشروع بلا استراتيجية للهوية التّجاريّة هو مشروع مرتجل، لا يرتكز على معرفة الجهود التّسويقيّة المثمرة، و لا يغني أصحابه بمعرفة آراء الفئات المستهدفة. يتساءل أصحاب هذه المشاريع عن سبب تعثّرها في حين لم يضعوا أهدافاً واضحةً وبالتّالي لم يقسّموها إلى خطوات قابلة للّتنفيذ لكي يتمّ تحقيقها. يمكنك أن تنجح في مشروعك إذا خصّصت استراتيجية الهوية التّجاريّة لتناسب أهدافك. هناك سبب يدفعك إلى أن تنشئ مشروعك التّجاريّ. وهناك سبب يدفعك إلى أن تمضي ساعات عديدة في بنائه بدل أن تمضيها مع عائلتك أو أصدقائك. وهناك سبب يدفعك إلى أن تستثمر أموالك في شراء النّطاق، و اسم تصوّري، و بطاقات عمل. فكّر بهذه الأسباب لأنّها الأجوبة لسؤال "لماذا" الّتي ستشكّل هدف مشروعك التّجاريّ. ما تحتاجه الآن هو استراتيجية تبعدك كل البعد عن التّخمين بكيفيّة الوصول إلى هذا الهدف. الإجابة عن خمسة أسئلة مهمّة حول استراتيجية الهوية ستوضّح لك هدف مشروعك التّجاريّ و بذلك تكون قد وضعت حجر الأساس.
السّؤال ليس عن الخدمة أو المنتجات الّتي توفّرها. الكلمة الدّليليّة هنا هي القيمة. يهتمّ المستهلك بالمنتج أو الخدمة بسبب الفوائد الّتي يعتقد أنّه يكتسبها. هذا ما يُشار إليه بالقيمة المتصوّرة. حبوب الحمية هي مثال جيّد عن القيمة المتصوّرة. جميعها، أو معظمها على الأقل، لا تنفع و مع ذلك يستمرّ المستهلك بشرائها بسبب الفوائد المُسوّقة لخسارة الوزن. إذن، استبدل سؤال "ما القيمة الّتي أقدّمها؟" بهذا السّؤال "ما هي الفائدة الّتي يقدّمها المنتج أو الخدمة؟" ثمّ اطرح على نفسك سؤال عن سبب رغبة المستهلك بهذه الفائدة. ثمّ أعد طرح السّؤال حتّى تجد قيمة مشروعك التّجاري.
إن لم تسمع بقول ميرديث هيل الشّهير من قبل، فهذا هو:"عندما تخاطب الجميع، أنت لا تخاطب أحد." إذا كنت تريد أن تجذب جميع الفئات، لن تستطيع أن تجعلهم يشعرون بأنهم مميّزون. لا بدّ أنّك مررت بهذه التّجربة وشعرت كأنّ نصّ من نصوص المبيعات كان يخاطبك بشكل مباشر و شعرت بأنّه يفهم ما تريد و هذا أقنعك بأنّ المنتج يستطيع حلّ مشكلتك. هذه التّجربة نتيجة مهارة أحد الكتّاب في قسم المبيعات. “الشخصيّات" أو "personas" هم الأشخاص الّذين نتخيّلهم لكي نخاطبهم خلال عمليّة الكتابة. تخاطب الشّركات الأكثر رسوخا في المجال ثلاث شخصيّات على الأقلّ لتجذب أنواع مختلفة من الناس. يكفي أن تختار شخصيّة واحدة لمشروع تجاريّ جديد. حدّد العمر، الجنس، المدخول، المهنة، المستوى التّعليميّ، أسلوب الحياة، و عادات الشّراء لهذه الشّخصيّة. حاول أن تفكّر بمواصفات يمكنك أن تستخدمها لكي تخاطب هذه الشّخصيّة مباشرة. لا تقلق، تستطيع أن تستقطب أشخاصاً لا يعكسون شخصيّتك أيضاً.
تختلف العلامة عن الهويّة التّجاريّة من حيث أنّها التّجربة الّتي تخلقها للمستهلك. يقول سيث غودين:" الهوية التّجاريّة هي مجموعة التّوقعات، الذّكريات، القصص، و العلاقات الّتي عندما نجمعها تشكّل قرار المستهلك باختيار منتج أو خدمة معيّنة عوضاً غيرها." يُفضّل أن ننظر إلى الهوية كأنّنا ننظر إلى شخص ما كما يقول روبرت كالديني في كتابه "التّأثير، سيكولوجية الإقناع". ينجذب النّاس إلى الألفة لذلك تنفع الكناية. إذا تخيّلت أنّ هويتك شخص، عليك أن تركّز على هذه النّقاط الثلاث لكي تجذب زبونك المثاليّ: كيف هو مظهره (أي الهوية)؟ كيف يتصرّف هذا الشّخص (أي قيم هويتك وصوتك)؟ أين عليه أن يتواتر بانتظام لكي يألفه النّاس (أي منصّات تناسب التّسويق لهويتك)؟ تماماً كالصّديق أو الشّخصيّة المعروفة، تشعر كأنّك تعرفهم بسبب شخصيّتهم المتّسقة. يجب أن تكون الهوية التجارية متّسقة بذات الطّريقة. لا يمكنك التّخلّي عن الشّخصيّة في منتصف الطّريق.
جواب هذا السّؤال هو عنوان رسالتك. الرّسالة هي، بالمبدأ، عبارة عن تصريح الهدف أو المهمّة. يجب أن تعكس رسالتك من تخدم و ليس من أنت. تضع بعض الشّركات الرّسالة على الصّفحة الرّئيسيّة أو صفحة التّعريف لكن ليس هذا المطلوب. رسالة باتاغونيا مثيرة للإهتمام :" اصنع أفضل منتج، لا تسبّب الأذى، استخدم المشروع التّجاري لإلهام وتنفيذ حلول لأزمة البيئة." تصنّع باتاغونيا منتجاتها للنّاس وتسعى إلى حلّ المشاكل المتعلّقة بالبيئة. رسالتها عبارة عن جملة واحدة توضّح ما تقدّمه الهوية التجارية، و لمن تقدّمه، و لماذا تقدّمه. عندما تريد تحديد رسالتك، ابدأ بالإجابة عن ثلاثة أسئلة: ماذا؟ لمن؟ و لماذا؟ أين ترى مشروعك التّجاري بعد ثلاث سنوات من الآن؟ لا شكّ بأنّ الرّؤية عنصر أساسي لتحقيق أي هدف كبير. بالتّالي، عليك أن ترفق رسالتك برؤية. هناك الكثير من الاستبيانات حول الفرق بين المشاريع الّتي لديها رؤية وتلك الّتي لم تتعنّى بها. تؤّكد نتائج هذه الاستبيانات أن المشاريع الّتي لديها رؤية هي أكثر نجاحاً. مجدداً، وجود محور تعمل باتجاهه في مشروعك يضمن نتائج ناجحة. يؤثّر وجود رؤية ثابتة و الحرص على تذكير فريق العمل بها على الإجراءات الّتي تتّخذها من أجل أن تنظّم القوى لتحقيق هذه الرؤية. علاوة ًعلى ذلك، يمكنك أن تذكّر الجمهور بهذه الرّؤية ليتواصلوا مع هويتك التجارية. و تستطيع الرّؤية أن تحفّز الزّبائن بأن يستثمروا في الهوية و لو لمجرد دعم قضيّتها. وجود استراتيجيّة للهوية التّجاريّة سيعطيك خطة عمل واضحة و مصمّمة خصيصاً لتحقيق هدفك الرّئيسي لمشروعك التّجاريّ. تحدّد استراتيجيّة الهوية التّجاريّة كل جوانب عملك، من سبب بدايتك و إلى الطريق الّذي تسلكه.